خطبة دروس وعبر من الإسراء والمعراج
esraz talal للتحميل بصيغة ورد docx
للتحميل بصيغة pdf خطبة-الإسراء-والمعراج
العناصر:
(1) العنصر الأول : لمــــاذا الإســـــــراء والمعــــــراج.
(2) عرض مختصر لما جرى فى حادثة الإسراء والمعراج.
(3) الإســـراء والمعـــراج بالــــروح والجســـد معـــاً.
(4) مكانـة المسجـــــــــــد الأقــــــــــــــــــصى.
(5) إيمـــان الصــــديق رضى الله عنه بهذة المعجزة 0
المقدمة
الحمدُ للهِ الذي أسرَى بعبدِهِ ورسولِه المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وأراهُ مِنْ آياتِه ما يزدادُ به الإيمانُ ويقوَى به اليقينُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، الذي فضَّلَ نبيَّنا محمدا ًعلى جميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وجعلَ دينَه ظاهِراً علَى كلِّ دينٍ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُه أفضلُ الخلقِ أجمعينَ وسيِّدُ الأولينَ والآخرينَ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلَى آلهِ وصحبِه الطيبينَ الطاهرينَ، وعلَى التابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أمّا بعدُ: أيها الأحباب
لَقدْ أكرمَ اللهُ كثيراً مِنَ النبيِّينَ والمرسلينَ بالآياتِ الظاهرةِ، والمعجزاتِ الباهرةِ، فكانَتِ النَّارُ برداً وسلاماً علَى إبراهيمَ وغلَبَ موسى سَحَرةَ فرعونَ حينَ جاءوا بسحرٍ عظيمٍ، وكانَ عيسى ابنُ مريمَ يُحيِى الموتَى بإذنِ اللهِ ويُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأبرصَ ويعافِي السقيمَ، وأمَّا نبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – فكانَ أكثرَهُمْ معجزاتٍ وأظهرَهُمْ آياتٍ وأوسعَهم دائرةً، وله القرآنُ معجزةٌ خالدةٌ وحجةٌ بالغةٌ في الدنيا والآخرةِ، … أَلا وإنَّ مِنْ آياتِ هذا النبيِّ الكريمِ، ومعجزاتِهِ التي شُرِّفَ بها إلى مقامٍ عظيمٍ، معجزةَ الإسراءِ والمعراجِ كما جاءَ في الذكرِ الحكيمِ: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } { الإسراء:1 }
.
العنصر الأول : لمــــاذا الإسراء والمعراج
عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال : « لما نزلت قول الله تعالى ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) الشعراء : 214
صَعِد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا فجعل ينادي : يابني فهر ، يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً ينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقيّ ؟
قالوا : نعم ، ماجربنا عليك إلا صدقا .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟
فنزلت ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ )
وفى موقف آخر يسير المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الناس ويقول: “أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا” وعمه يسير خلفه ويقول :
لاتصدقوه إنه ساحر
لاتصدقوه إنه كاهن
لاتصدقوه إنه كذاب
وهكذا أول من وقف فى سبيل دعوته ورسالته هوعمه وأول من آذاه هو عمه ومن هنا أشتد الإيذاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابه ومن هنا أصبح الكل معذب الكل محارب الكل مضطهد هذا صهيب وهذا بلال وهنا عمار سدوا أمامهم كل الطرق والأبواب
وهنا سؤال يطرح نفسه ؟
أين عمه الذى كان يحميه ؟ مات
وأين زوجته التى كانت تواسيه ؟ ماتت
فلم يجد النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن يفر بدينه إلى الطائف لعله يجد مأوى يحتمى فيه ولكى يدعوا إلى دين الله هناك
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يمشى على قدمه مايقرب من تسعين كيلوا متر لا يركب راحلة ولا دابة فى حرارة لم يرا الإنسان مثلها فالشمس من فوقه محرقة والرمال تحت قدمه ملتهبة ودموع النبى على خدية فلا حراسة ولا موكب، ولا جنود ولاجيش، ولا قريب ولا زوجة ولا ولد،
ووصل رسول الله إلى الطائف، جائعاً متعباً ظامئاً، يدعوهم إلى الله عز وجل، رجاءً من من أهلها أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم حتى يبلغ رسالة ربه، فلم ير ناصراً, آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينل منه قومه، وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان،
أتى يقول: لا إله إلا الله، فما هو إلا الرد العنيف؟
قام الأول وقال: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كنت صادقاً.
وقال الثاني: ما وجد الله إلا أنت ليرسلك.
وقال الثالث: إن كنت نبياً فأنا أصغر من أن أتكلم على الأنبياء، وإن كنت كاذباً فأنا أكبر من أن أتحدث مع الكذابين.
فليتهم ضيفوه! لكنهم ما فعلوا،
وليتهم أسقوه! لكنهم ما فعلوا وطردوه،
وليتهم تركوه، بل أرسلوا الأطفال والعبيد يرمونه بالحجارة،
أما يرى الله هذا المشهد؟
أما يرى رسوله يهان هذه الإهانات، ويتلقى الحجارة على قدميه الشريفتين، ورجله تسيل بالدم؟
وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة عائدا وكله جراح، قلبه مجروح، مبادئه مجروحة، عرضه مجروح، كل شيء في حياته يعيش الجراح.
يا الله لك أن تتصور في هذه اللحظات ، جوع وعطش، صاحب دعوة مطارد، بل ودعوة مشردة، وأصحاب مطاردون في الحبشة، وآخرون معذبون في مكة،
وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم طريدًا وحيدًا إلى بلدٍ أُخرج منها، ليقبل عليها خائفًا يترقب، ولم يستطع دخول مكة إلا بجوار رجل كافر هو المطعم بن عدي.
ولم يتوقف الأمر على ذلك بل طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم المعجزات القهرية
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ) الإسراء
وكأنى أنظر فى عجب
هل حقاً تفجر الماء من الأرض ينبوعا لرسول الله كما أرادوا !؟
كلا ؟ ما تفجر الماء من الأرض ينبوعا لرسول الله وإنما أعطاه الله ماهو أعظم من ذلك
مر بهم الزمان وجاء يوم الحديبية وتفجر الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما ءامنوا به
طلبوا منه غيرها وقالوا يامحمد ؟
(أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ) الإسراء
فأعطاه الله إياها ورقى رسول الله إلى السماء لأن المعراج برسول الله ماكان ألا رقيا فى السماء
لكن ينبغى أن نعلم جميعاً أن الإسراء والمعراج برسول الله لم يكن تحدياً لأهل مكة بقدر ما كان تشريفا وتعظيماً له صلى الله عليه وسلم
وكأن الله يريد أن يقول له يامحمد
إن كان أهل الأرض رفضوك فرب السماوات والأرض يدعوك
صلَّى الإلهُ علَى النبيِّ محمدٍ خيرِ الأنامِ وجاءَه التنْزِيلُ
وبفضلِهِ نطَقَ الكتابُ وبَيَّنتْ بِصفاتِهِ التوراةُ والإنجيلُ
ذاكَ النبيُّ الهاشميُّ المصطفَى قَدْ جاءَهُ التشريف والتفضيلُ
أسرَى بهِ المولىَ إلى أُفْقِ السَّما فوقَ البراقِ وعندَهُ جبريلُ
العنصر الثانى : عرض مختصر لما جرى فى حادثة الإسراء والمعراج
أيها الأحباب لقد وردت قصة الإسراء والمعراج في كتب السنن، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم أُتي بالبراق، وهو دابة فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه.
وفيها أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الأقصى فصلى فيه ركعتين، وأنه صلى إماماً بالأنبياء.
وفيها أن جبريل أتاه بإناء من خمر وإناء من لبن، فاختار صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة.
وفيها أنه رأى رجالا يزرعون يوما ويحصدون يوما كلما حصدوا عاد الزرع كما كان قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يخلف الله عليهم ما أنفقوا
وفيها أنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء الأولى فالثانية فالثالثة، وهكذا حتى ذُهب به إلى سدرة المنتهى، وأوحى الله إليه عندئذ ما أوحى.
وفيها أنه رأىعليه الصلاة والسلام جند الله عز وجل من الملائكة يدخلون البيت المعمور في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة
وفيها أنه رأى سدرة المنتهى، فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها، ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق، ورأى الجنة والنار، فأدخل الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك.
وفيها فرضت الصلوات الخمس على المسلمين، وهي في أصلها خمسون صلاة في اليوم والليلة، ثم خففها الله إلى خمس في العمل لها ثواب الخمسين
هذا الذي أسرى لتسعد أمة وتنال فضلا في الورى نعماه
هذا الذي ناداه ربه مرحبا نعم المجيء ونعم من حياه
هذا الذي جاء الكتاب مبلغا عن صدق دعوته وعن مسراه
هذا الذي ترد الخلائق حوضه يوم القيامة مالها إلاه
فمحمد نور العيون وعزها تشفى الصدور بذكرها إياه
وله الشفاعة في الخلائق كلهم يوم القيامة لا شفيع سواه
أيها الأحباب :
لقَدْ رأَى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – في هذهِ الرحلةِ العُظْمَى، مِنْ آياتِ اللهِ الكبرَى، ما قرَّتْ به عينُه، وقَوِيَ بهِ يقينُه، وصارَ الإسراءُ والمعراجُ مِنْ أكبرِ معجزاتِهِ، وأعظمِ آياتِهِ،التي قَدْ فرِحَ بها أهلُ الإيمانِ، واغتاظَ مِنْها أهلُ الكفر والطغيان، يقولُ اللهُ سبحانَه: { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } { الإسراء:40 } ، وهِيَ رؤيا بَصَريَّةٌ وليستْ مناميَّةً؛ لأنَّ الإسراءَ والمعراجَ كانَ يقظةً بروحِهِ وبدنِهِ،
وهذا هو العنصر الثالث الإسراءَ والمعراجَ بالروح والجسد
العنصر الثالث : الإسراء والمعراج بالروح والجسد معاً
شاء الله الذي لا راد لمشيئته سبحانه القادر الذي لا يعجزه شيء أن يمن على حبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام بهذة الرحلة المباركة الطيبة وأن تكون بالروح والجسد معا واستدل العلماء على ذلك
ـ بقوله تعالى: أَسْرَى بِعَبْدِهِ ، فلو كان الإسراء بروحه لقال: روح عبده.
والعبد عبارة عن مجموع الجسد والروح
ـ لو كان بروحه لما كذبته قريش؛ فإن عقولهم لا تنكر أن الأرواح قد تجوب الآفاق في لحظة.
ـ ركوبه للبُرَاق، وهي دابة فوق الحمار ودون البغل. ولو كان الإسراء بروحه لم يكن من حاجة للركوب.
ثم إننا نقول لمن ينكر أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد معاً
أن الله تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى الأرض ورفع عبدا من عبيده من الأرض إلى السماء أنزل آدم وزوجه: قلنا اهبطوا منها جميعا [البقرة:38]. ورفع عيسى عليه السلام: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران:55]. فكيف نستكثر على رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يعرج به مولاه ؟
ومع كل هذا لونظرنا في كتاب الله عز وجل لوجدنا أن الله تعالى وهب عبدا من عباده القدرة على نقل عرش ملكة سبأ من جنوب اليمن إلى أرض فلسطين في غمضة عين: يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر [النمل:38-40]. فإذا كانت هذه قدرة عبد فكيف بخالقه وإذا كانت هذه إمكانية موهوب فكيف بالواهب سبحانه ؟
فالأمر فى الحقيقة أن محمداً ما أَسْرَى وإنما أُسْرِي به كما يقول مولانا الإمام محمد متولى الشعراوى
يقول :هَبْ أن قائلاً قال لك: أنا صعدتُ بابني الرضيع قمة جبل (إفرست)، هل تقول له: كيف صعد ابنك الرضيع قمة (إفرست)؟
هذا سؤال إذن في غير محلِّه،
لأن الطفل ماصعد بنفسه وإنما صُعد به وكذلك في مسألة الإسراء والمعراج يقول تعالى: أنا أسريتُ بعبدي، فمن أراد أنْ يُحيل المسألة ويُنكرها، فليعترض على الله صاحب الفعل لا على محمد صلى الله عليه وسلم
فربك لم يقُلْ: سَرَى محمد، بل أُسْرِي به. فالفعل ليس لمحمد ولكنه لرب محمد فلا تَقِسْ الفعل بمقياس البشر،وإنما قسه بمقياس رب البشر ونزِّه فِعْل الله عن فِعْل البشر
ومعلوم لدينا جميعاً : أن الزمن يتناسب عكسياً مع القوة، فلو أردنا مثلاً الذهاب إلى الإسكندرية سيختلف الزمن لو سِرْنا على الأقدام عنه إذا ركبنا سيارة أو طائرة، فكلما زادت القوة قَلَّ الزمن، فما بالك لو نسب الفعل والسرعة إلى الله تعالى، فإذا كان الفعل من الله فلا زمن
العنصر الرابع : مكانة المسجد الأقصى
أيها المسلمون، لقد ربطت هذه المعجزة بين ديار الإسلام ومساجد الله في الأرض، وعلى وجه الخصوص بين المسجد الحرام في مكة والمسجد الأقصى في القدس.
هذا الربط بين المسـجدين، المسـجد الحرام والمسـجد الأقصى، ليُشـعر الإنسـان المسـلم أن لكلا المسـجدين قدسـيتـه؛ فهذا ابتدأ الإسـراء منـه وهذا انتهى الإسـراء إليـه، وكأن هذا يُوحي أن من فرَّط بالمسـجد الأقصى يُوشـك أن يُفرِّط بالمسـجد الحرام، ولو فرَّط بمنتهى الإسـراء يُمكن أن يفرِّط بمبتدأ الإسـراء،
ومعروف انه صلى الله عليه وسلم قد عرج به الى السماء عن طريق المسجد الاقصى… وهنا سؤال يطرح نفسه .
لماذا كان هذا العروج من المسجد الاقصى ولم يكن من الكعبة مثلا وهي أقدس مكان على ظهر الأرض ؟
أراد الله عزوجل أن يبين فضل ومكانة ومنزلة المسجد الأقصى عنده عزوجل وكأن الله يريد أن يقول له يامحمد لا طريق ألى السماء إلا من المسجد الأقصى
ولما كان المسجد الحرام أول بيت وُضِع للناس في الأرض فإن المسجد الأقصى هو البيت الثاني والقبلة الأولى. وإذا كانوا يتوجّهون في صلاتهم إلى الكعبة المشرّفة في اليوم خمس مرات لأداء الفريضة فإن هذه الفريضة العظيمة التي هي
عمود الدين والفارق بين المؤمن والكافر قد فرضها الله تعالى من فوق سماء بيت المقدس
وأما عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء فيه فالمقصود منها عظيم
وهذا يرجع بنا الى تاريخ قديم، حيث ظلت النبوات فترات طويلة من الزمان حكرا على بني اسرائيل، وظل بيت المقدس هو المكان المفضل عند شعب الله المختار ومهبط رسالاتهم من السماء…
ولكن لما طغا اليهود وبغوا وظلموا انفسهم وحرفوا دين الله الذي انزل اليهم نزلت عليهم لعنة الله تعالى الى الابد وتم تحويل امر النبوة عنهم الى الابد فجائت الى محمد عليه الصلاة والسلام النبي العربي، لكي تنتقل القيادة الدينية من بني اسرائيل الى امة اخرى من الامم، وهي امة محمد صلى الله عليه وسلم
نعم انتقلت القيادة إلى أمـة جديدة وإلى نبوة جديدة، إلى نبوة عالميـة ليسـت كالنبوات السـابقـة التي أُرسـل فيها كل نبي لقومـه، هذه نبوة عامـة خالدة لكل الناس، رحمـة للعالمين، ولجميع الأقاليم ولسـائر الأزمان، فهي الرسـالـة الدائمـة إلى يوم القيامـة، التى اختص الله بها عبده محمدًا صلى الله عليه وسلم من دون سائر الأنبياء عليهم السلام ، مره أن يصلي بهم في بيت المقدس ، موطن النبوات الأولى ، وأمرهم أن يقتدواه به تشريفا لقدره وتعظيما
ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم ” أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول شافع، وأول مشفع .
فهو إمام الأئمة ،وهو الإمام الأعظم ، فمن آمن به من أتباع الأنبياء فقد آمن بهم ، ومن لم يؤمن به لم يؤمن بواحد منهم
ومصداقا لذلك قول الله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) ال عمران 81
وقوله صلى الله عليه وسلم حين جاءه عمر بن الخطاب بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه 🙁 والذى نفسى بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعنى )
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم
كنت الإمام لهم والجمع محتفل أعظم بمثلك من هادٍ ومؤتمم
لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
حتى بلغت سماءً لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم
العنصر الخامس : إيمان الصديق رضى الله عنه بهذة المعجزة
أيها الأحباب :
لما كانت صبيحة هذه الليلة المشهورة حدّث رسول الله بما تم له وما شهد من آيات ربه الكبرى، فقال الناس هذا والله الأمر البين والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرا مقبلة أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة فأراد المشركون استغلال هذه الخبر في تضعيف نبوته وتوهين صحابته لكنهم واجهوا قلوبا قوية صادقة من أمثال أبي بكر الذي ذهب الناس إليه فقال: ((هل لك يا أبا بكر في صاحبك ،يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة فقال لهم أبو بكر إنكم لتكذبون عليه فقالوا : بلى، هاهو ذالك في المسجد يحدث الناس به فقال بإيمان الصادق المؤمن: والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرنى أن الخبر يأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فهذا أبعد مما تعجبون منه ثم أقبل إلى رسول الله فقال يا نبي الله : أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال: نعم، قال: يا نبي الله صدقت
ما أروعه من موقف لأبى بكر الصديق ذكرنى بما حدث مع أبى خزيمة الأنصارى
فعن عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه وَهُوَ من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي فاستتبعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه .
فأسرع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي . فطفق رِجَال يعترضون الأعرابي فيساومون بالفرس ولا يشعرون أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ابتاعه .
حتى زَادَ بَعْضهمْ الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الَّذِي ابتاعه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
فنادى الأعرابي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إن كنت مبتاعًا هَذَا الفرس فابتعه وإِلا بعته .
فقام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حين سمَعَ نداء الأعرابي فَقَالَ : « أو لَيْسَ قَدْ ابتعته منك » ؟ قال الأعرابي : لا وَاللهِ ما بعتك .فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : « بلى قَدْ ابتعته منك » فطفق النَّاس يلوذون بالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يَقُولُ : هَلُمَّ شهيدًا يشهد أني بايعتك ؟
فمن جَاءَ من المسلمين قال للأعرابي : ويلك إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن ليَقُولُ إِلا حقًا .
حتى جَاءَ خزيمة فاستمَعَ لمراجعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأعرابي وطَفِقَ الأعرابي يَقُولُ : هَلُمَّ شهيدًا أني بايعتك ؟ فَقَالَ خزيمة : أَنَا أشهد أنك قَدْ بايعته ؟ فأقبل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على خزيمة فَقَالَ :ياخزيمة « بم تشهد ولم تكن معنا » ؟ قال : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أصدقك بخبر يأتى من السماء أفلا أصدقك فى بيع وشراء ؟ فجعل النبى صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين في سائر القضايا
وهكذا كان أبو بكر: إن كان رسول الله قال فقد صدق
ولما يا أبابكر قال : أن أصدقه فى الخبر يأتى من السماء إلى الأرض فى ساعة أفلا أصدقه أنه أُسرى به فى ليلة !
وهنا وقف الوليد بن المغيرة ووجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا خطيرا وكان هذا السؤال بمثابة السهم الأخير فى جعبتهم قال: يا محمد! ما جربنا عليك كذباً، إن كنت صادقاً وأنه أسري بك؛ فنحن نعرف بيت المقدس سافرنا إليه في التجارة، وعرفناه باباً باباً، فصِفْ لنا بيت المقدس وإن لم تصفه لنا فمعنى ذلك أنك لم تراه ولم تذهب إليه أصلاً وكان رسول الله صلى اللله عليه وسلم كما يعلم الجميع لم يذهب إليه من قبل ولم يره قبل ليلة الإسراء المباركة ولو مرة
فكان هذا السؤال فى حد ذاته معجزاً ، ولا يستطيع محمداً صلى الله عليه وسلم أن يجيب عليه ، ذلك لأنه رأى المسجد الأقصى ليلاً …
ولكن الأسئلة الموجهة إليه لايجيب عليها إلا من رأى المسجد الأقصى أكثر من مرة ….
فكانت إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصمت مع التفكير العميق !!!!
وهنا اخترق أمين وحى السماء فى الأفاق وضرب بجناحيه السبع الطباق ونزل لرسول الله والمسجد الأقصى بين يديه بأمر من الله ووضعه أمام محمدٍ صلى الله عليه وسلم فصار النبى ينظر إليه كأنه كتاب مفتوح
وأخذ يصفه لهم باباً باباً، ونافذةً نافذةً، قال: بيت المقدس له أبواب كذا وكذا، ومدخله: كذا وكذا، فقال الوليد بن المغيرة: والله ما زدت ولا نقصت شيئاً.
ثم قالوا فهل من دليل أخر ؟
قال : نعم .. هاكم هو
مررت فى طريقى بقافلة قد علمت أنها لبنى فلان . فأنفرهم حس الدابة التى أركبها (البراق)
فند بعير منهم (شرد وهرب) فدللتهم على الجهة التى ذهب إليها حتى وجدوه ،،،،
وفى وسط هذا الخضم الهائل من الجدل والمحاورة ، وإذ بصوت أبى بكر الصديق يرن فى سمع الحاضرين جميعاً ، بل وفى سمع الدنيا كلها فيقول : صدقت يارسول الله
وكلما قال له كلمة قال: صدقت، وكلما قال: وصعدت إلى السماء.
قال: صدقت.
قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر:33] من الذي جاء بالصدق؟
محمد صلى الله عليه وسلم.ومن الذي صدق به؟ أبو بكر ، فسموه الصديق ؛ لأنه صدق الله، فصدقه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وأخرج البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { هل أنتم تاركوا لي صاحبي، إني قلت: أيها الناس! إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر : صدقت }.
ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم لأهل مكة أو لا تريدون غير ذلك قالوا : ماهوا !!
قال : قافلة لبنى فلان قد نزلوا للمبيب بجانب الطريق وقد أجهدهم السفر … فرأيت إناءً كان عندهم فيه ماء ، فشربت الماء الذى كان فيه ثم غطيته كما كان .
ثم قال : ألا وإن هذه القافلة ستقدم عليكم مع شروق يوم كذا
وفعلاً تجمعوا في صبيحة هذا اليوم ينتظرون العير.
وعند الشروق قال أحدهم: ها هي الشمس أشرقتْ. فردَّ الآخر: وها هي العير قد ظهرتْ
فبا رجال مكة يسألون رجال القافلة ورجال القافلة يجيبون على أسئلتهم سألوهم ، هل ندَّا بعير من قافلتكم ، وناداكم صوت فأخبركم عن الجهة التى توجه إليها البعير حتى وجدتموه ؟! قالوا : نعم
سألوهم عن إناء الماء الذى ذكره لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقالوا : نعم ، لقد وجدنا الإناء فارغاً لا ماء فيه ، وقد كان فيه ماء ومغطى بغطاء !!
قد أسرع الصِّدِّيق ، جاء إلى النبى لكى يراه
وجد الرجال تحيطه من كل صوب كالجناة
سألوه كيف المسجد الأقصى وهل حقاً رأه
جعلوه يبدو شارداً من سؤْلهم يرجو النجاة
لكن رب محمدٍ أعطاه نصراً واجتباه
فوراً أتاه صديقه جبريل من أمر الإله
قد جاءه بالمسجد الأقصى وتحمله يداه
قد صار بين يديه فى حجم الكتاب إذ احتواه
جبيريل قال : له فصف للقوم فوراً ماتراه
نصر الإله محمداً فمحمد هو مصطفاه
هذا الختام وربنا المعبود وله المكارم والعلا والجود
وصلى الإله على النبى محمدٍ كلما أشرقت شمس وأورق عود
لاتنسونا من صالح دعائكم خادم العلم والعلماء الشيخ / أحمد طلال رمضان